إلى جانب العامل الأفغاني لعب حدثان آخران دورا كبيرا في هيكلة الحركة الإسلاموية بالجزائر إلى درجة أن أغلب قادة الحركة الإسلاموية قد كان لهم علاقة على الأقل مع أحد هاذين الحدثين :
في 2 نوفمبر 1982 اغتيل الطالب كمال أمزال في العاصمة الجزائرية بالسلاح الأبيض من قبل أحد الإسلاميين خلال قيامه بتلصيق أحد البيانات الخاصة بالجلسة العامة للطلبة. تم إثر هذه الحادثة إغلاق مسجد الكلية المركزية ، الذي كان يمثل إلى حدود ذلك الوقت أرضا خصبة لتلقين التمذهب الديني سبق وأن مرّ بها رموز الحركة الإسلاموية الذين سيظهرون لاحقا في سنوات التسعين. كان الأصوليون من مشارب مختلفة يعطون الدروس والمواعظ أمام الطلبة.
لم يندد قادة الإسلاميين بهذا الإغتيال الشنيع ،بل أكثر من ذلك عمد الشيخ سحنون ، عباسي مدني وأحمد سلطاني إلى تحرير نص في أربعة عشر نقطة (سمي بأرضية نوفمبر 1982) دعوا فيها إلى تطبيق الشريعة من قبل الدولة الجزائرية ، و إخراج العناصر "المعادية للإسلام" من مؤسسات الدولة وإلغاء الإختلاط بين الجنسين. بعد عشرة أيام من ذلك خرجت مظاهرة كبرى جمعت إلى جانب علي بن حاج وعباسي مدني زهاء الخمسة آلاف إسلامي. تمخض عن الإجتماع الذي عقب هذه المسيرة ظهور تيار "الجزارة" في جو مشحون بالمواجهات الدامية وباغتيال الطالب البربري ـ التقدمي كمال أمزال
لكن الحدث المليء بالعواقب سيكون محوره شخص يحمل اسم مصطفى بويعلي (1940 ـ 1987) عمل لفترة واعظا في مسجد العاشور بالعاصمة. كان بويعلي مجاهدا ابان حرب التحرير وهو من أصل قبائلي. لم يكن مولعا بسيد قطب فحسب بل كان يجد أن الدولة انحرفت عن القيم الإسلامية وأن الثورة الجزائرية قد حورها ثوار الساعة الأخيرة عن مسيرها الحقيقي. شارك في 1963 في ثورة جبهة القوى الإشتراكية قبل أن يحول حقده للنظام إلى نشاط إسلاموي يطالب خلاله بتطبيق الشريعة. في 1979 أسس "جماعة النهي عن المنكر" لدرء الشر والالزام على الخير. جمع حوله تلامذة ذوي مواقف حادة مثل علي بن حاج عبد القادر شبوطي منصوري ملياني عز الدين بع ومحفوظ نحناح.
حين وجد أن الوعظ غير كاف لمكافحة "الآفات الإجتماعية"، دخل مصطفى بويعلي بداية من أفريل 1982 في العمل المسلح وذلك بمباركة الشيوخ صحراوي، سلطاني وبن حاج (وقد أيده الأخير بفتوى).و هكذا قام بتأسيس للـ"حركة الإسلامية المسلحة" (المدعاة المييا) التي تمثل أول ظهور لتمرد إسلاموي مسلح في الجزائر، تمركز في جهة لربعا بأحد ضواحي العاصمة (وهي ضاحية ستعرف فيما بعد مجزرة إسلامية). كان هدفه هو إقامة دولة إسلامية عن طريق الجهاد. إنتظم "متطوعو الله" في شكل جماعتين : جماعة "الجزائر ـ الساحل" وجماعة "ميتيجا" يترأسهما عشرة أمراء. في خلال اشتباك ببن عكنون (العاصمة) قتل بويعلي أحد أعوان الدرك الوطني. تم على إثر ذلك تفكيك الشبكة التي يترأسها من قبل مصالح الأمن إذ تم توقيف قسم كبير من جماعته في ديسمبر 1982 وجانفي 1983 وتمت محاكمتهم أمام القضاء. لكن بويعلى تمكن من الفرار و استطاع اعادة تأسيس تنظيمه حيث رجع إلى العمل المسلح في أوت 1985. في ذلك التاريخ هاجم إحدى المؤسسات العمومية بالعاصمة (عين النعجة) فنهب بعض الأموال ثم هاجم مدرسة للشرطة بالصمعة فقتل شرطيا واحدا واستولى على بعض الأسلحة. كان بويعلي يعمل كذلك على التخطيط لإغتيال شخصيات سياسية وللقيام بتفجيرات في نزل الأوراسي ومطار الجزائر (وهو ما حققه بالفعل خلفاﺆه ). واصل القتال حتى سقوطه في كمين سنة 1987.
بعد قتله قرر الرئيس الشادلي بن جديد العفو عن معاونيه شهورا فقط بعد اعتقالهم وقد كان من ضمنهم قائدان هما الشبوطي وملياني، وقد كان لذلك الأثر الكبير في تطور الحركة الإسلامية فيما بعد. أصبح "الأخ الشهيد" بويعلي محل تكريم وتعظيم من قبل أعضاء الحركة الأصولية في حين لعب أعضاده دورا رئيسيا على الساحة السياسية والإجتماعية بعد أكتوبر 1988.
المقال القادم : أكتوبر 1988 : الديمقراطية المفخخة
_________
فهرس مجموعة مقالات "ماذا حصل في الجزائر" (قابل للتغير)
الجزء الأول: مقدمة في تاريخ الإسلاموية الجزائرية :
1 ـ إرهاصات الحركة الإسلاموية (1962 ـ 1988)
2 ـ بوادر مؤسسة للعنف
3 ـ أكتوبر 1988 : الديمقراطية المفخخة
الجزء الثاني: الدولة الإسلامية عبر صناديق الإقتراع : 1989 ـ 1992 :
مقالات لا تزال في طور الكتابة
في 2 نوفمبر 1982 اغتيل الطالب كمال أمزال في العاصمة الجزائرية بالسلاح الأبيض من قبل أحد الإسلاميين خلال قيامه بتلصيق أحد البيانات الخاصة بالجلسة العامة للطلبة. تم إثر هذه الحادثة إغلاق مسجد الكلية المركزية ، الذي كان يمثل إلى حدود ذلك الوقت أرضا خصبة لتلقين التمذهب الديني سبق وأن مرّ بها رموز الحركة الإسلاموية الذين سيظهرون لاحقا في سنوات التسعين. كان الأصوليون من مشارب مختلفة يعطون الدروس والمواعظ أمام الطلبة.
لم يندد قادة الإسلاميين بهذا الإغتيال الشنيع ،بل أكثر من ذلك عمد الشيخ سحنون ، عباسي مدني وأحمد سلطاني إلى تحرير نص في أربعة عشر نقطة (سمي بأرضية نوفمبر 1982) دعوا فيها إلى تطبيق الشريعة من قبل الدولة الجزائرية ، و إخراج العناصر "المعادية للإسلام" من مؤسسات الدولة وإلغاء الإختلاط بين الجنسين. بعد عشرة أيام من ذلك خرجت مظاهرة كبرى جمعت إلى جانب علي بن حاج وعباسي مدني زهاء الخمسة آلاف إسلامي. تمخض عن الإجتماع الذي عقب هذه المسيرة ظهور تيار "الجزارة" في جو مشحون بالمواجهات الدامية وباغتيال الطالب البربري ـ التقدمي كمال أمزال
لكن الحدث المليء بالعواقب سيكون محوره شخص يحمل اسم مصطفى بويعلي (1940 ـ 1987) عمل لفترة واعظا في مسجد العاشور بالعاصمة. كان بويعلي مجاهدا ابان حرب التحرير وهو من أصل قبائلي. لم يكن مولعا بسيد قطب فحسب بل كان يجد أن الدولة انحرفت عن القيم الإسلامية وأن الثورة الجزائرية قد حورها ثوار الساعة الأخيرة عن مسيرها الحقيقي. شارك في 1963 في ثورة جبهة القوى الإشتراكية قبل أن يحول حقده للنظام إلى نشاط إسلاموي يطالب خلاله بتطبيق الشريعة. في 1979 أسس "جماعة النهي عن المنكر" لدرء الشر والالزام على الخير. جمع حوله تلامذة ذوي مواقف حادة مثل علي بن حاج عبد القادر شبوطي منصوري ملياني عز الدين بع ومحفوظ نحناح.
حين وجد أن الوعظ غير كاف لمكافحة "الآفات الإجتماعية"، دخل مصطفى بويعلي بداية من أفريل 1982 في العمل المسلح وذلك بمباركة الشيوخ صحراوي، سلطاني وبن حاج (وقد أيده الأخير بفتوى).و هكذا قام بتأسيس للـ"حركة الإسلامية المسلحة" (المدعاة المييا) التي تمثل أول ظهور لتمرد إسلاموي مسلح في الجزائر، تمركز في جهة لربعا بأحد ضواحي العاصمة (وهي ضاحية ستعرف فيما بعد مجزرة إسلامية). كان هدفه هو إقامة دولة إسلامية عن طريق الجهاد. إنتظم "متطوعو الله" في شكل جماعتين : جماعة "الجزائر ـ الساحل" وجماعة "ميتيجا" يترأسهما عشرة أمراء. في خلال اشتباك ببن عكنون (العاصمة) قتل بويعلي أحد أعوان الدرك الوطني. تم على إثر ذلك تفكيك الشبكة التي يترأسها من قبل مصالح الأمن إذ تم توقيف قسم كبير من جماعته في ديسمبر 1982 وجانفي 1983 وتمت محاكمتهم أمام القضاء. لكن بويعلى تمكن من الفرار و استطاع اعادة تأسيس تنظيمه حيث رجع إلى العمل المسلح في أوت 1985. في ذلك التاريخ هاجم إحدى المؤسسات العمومية بالعاصمة (عين النعجة) فنهب بعض الأموال ثم هاجم مدرسة للشرطة بالصمعة فقتل شرطيا واحدا واستولى على بعض الأسلحة. كان بويعلي يعمل كذلك على التخطيط لإغتيال شخصيات سياسية وللقيام بتفجيرات في نزل الأوراسي ومطار الجزائر (وهو ما حققه بالفعل خلفاﺆه ). واصل القتال حتى سقوطه في كمين سنة 1987.
بعد قتله قرر الرئيس الشادلي بن جديد العفو عن معاونيه شهورا فقط بعد اعتقالهم وقد كان من ضمنهم قائدان هما الشبوطي وملياني، وقد كان لذلك الأثر الكبير في تطور الحركة الإسلامية فيما بعد. أصبح "الأخ الشهيد" بويعلي محل تكريم وتعظيم من قبل أعضاء الحركة الأصولية في حين لعب أعضاده دورا رئيسيا على الساحة السياسية والإجتماعية بعد أكتوبر 1988.
المقال القادم : أكتوبر 1988 : الديمقراطية المفخخة
_________
فهرس مجموعة مقالات "ماذا حصل في الجزائر" (قابل للتغير)
الجزء الأول: مقدمة في تاريخ الإسلاموية الجزائرية :
1 ـ إرهاصات الحركة الإسلاموية (1962 ـ 1988)
2 ـ بوادر مؤسسة للعنف
3 ـ أكتوبر 1988 : الديمقراطية المفخخة
الجزء الثاني: الدولة الإسلامية عبر صناديق الإقتراع : 1989 ـ 1992 :
مقالات لا تزال في طور الكتابة
1 commentaire:
je sens qu'on va super bien s'amuser a partir des Evenements d'Octobre88.Mon projet d'Humanites le dernier semestre portait sur le FIS.en attente...
Enregistrer un commentaire