ج : أهلا بك . اسمي إبليس وينادونني أيضا الشيطان . لدي العديد من الأسماء بجميع لغات العالم . خُلقت قبل الإنسان بملايين السنين وسأظل بعده لملايين أخرى . كنت ملاكا كغيري من الملائكة ثم قرر الرب طردي من الجنة كما طرد آدم وزوجه .
ج : الحقيقة هنالك سوء فهم وخلط كبير لشخصي المتواضع ولدوري فيما تسمونه الشرور الموجودة على الأرض . بصفتي كائنا سماويا أنا غير قادر أصلا على تمييز الخير من الشر . للتذكير فقط فإن آدم وزوجه أكلا من شجرة معرفة الخير والشر في حين أن بقية الكائنات السماوية لم يتسن لها ذلك . لقد اختار آدم المعرفة في حين بقينا نحن الملائكة في مرحلة اللاوعي الأخلاقي . نحن لا نميز بين الخير والشر إذ أن تلك المعرفة متاحة للرب وللإنسان فقط وفي الحالتين أعتقد أن معرفة الخير والشر لا تدفع باتجاه خير أكثر في العالم . الإنسان لم يجن شيئا من قدرته تلك على التمييز بين المفهومين . بالعكس ، فهناك اليوم شرور ترتكب باسم الخير كما أن هنالك نوايا شريرة تتحول إلى ما يمكن أن يسمى خيرا . لست متأكدا من أن تمييز الخير من الشر يعينكم في حياتكم الفردية والجماعية . فالمجتمع لا يسير بمثل هذه المفاهيم المطلقة والمجردة بل يُسيَّر بالقوة وبالقوة فقط . أعتقد صراحة أن الإنسان إما لم يستوعب هذه المفاهيم بتاتا أو أن الشجرة التي أكل منها لم تكن ثمارها ناضجة بعد .
س : فيم تتمثل مهمتكم بيننا سيد إبليس ؟
ج : على عكس ما تعتقدون مهمتي ليست نشر الشرور فأنا لا أميز بين الخير والشر كما سبق أن قلت . مهمتي هي أن أفتح أعينكم على العالم وعلى أنفسكم . أنا صوت الحقيقة التي تخشون سماعها ، أنا لسان حال التفاصيل الصغيرة التي لا تعيرونها اهتماما ، أنا من يضيء الجوانب المظلمة داخل دهاليز النفس البشرية . معظم بني البشرلا يستمعون إلي جيدا أو أنهم ينصتون إلى نصف ما أقوله لهم لأنني لا أدعو إلى اليقين بل إلى الشك المتواصل . لا أقول لهذا أو ذاك "اقتل" بل أقول له : "أنصت إلى صوتك الداخلي الذي يدعوك إلى القتل" . كل وجودي مسخر لأجعل من الإنسان موجودا قلقا لأن فطرته الطبيعية هي الإستكانة إلى اليقين . أتعرف ماذا أقول لمن يقرر أن يقتل أو يسرق أو يزني ؟ أقول له : أنصت إلى كل الأصوات داخل نفسك ولا تجعل أحدها يعلو على الآخرين ، استعمل عقلك ، فكر قبل أن تنفذ ، استعمل تلك القوة الربانية التي توارثتموها أنتم معشر البشر منذ آدم إلى اليوم ، استعمل قدرتك على معرفة الخير من الشر ...
س : يعني ذلك أن إبليس غير مسؤول عن الشرور في العالم ؟؟
ج : لديكم اتجاه طبيعي إلى التبسيط وإلى رمي المسؤولية على الآخرين . الحقيقة أنا يشرفني بوصفي كائنا غير مخير أن أكون مسؤولا عن شرور العالم لكن الحقيقة غير ذلك . الحقيقة هي أن كل إنسان مسؤول على ما يفعله منذ ولادته وحتى وفاته . كيف يمكن أن تحملونني مسؤولية المجازر والحروب ؟ أنا كائن من نور لا أحمل سيفا ولا قدرة لي على قتل كائنات مثلكم خلقت من طين . صحيح أنني كنت هناك في المختبر حيث اخترعت القنبلة النووية ، صحيح أني كنت في كل غرفة عمليات في كل حرب ، لكني لست أنا من يتخذ القرارات . لست أنا من يضغط على زر الإطلاق ولست أنا من يرتكب المحارق والمجازر . أنا أتكلم فقط لأقول ما لا يريد الآخرون سماعه ، أتكلم لأذكّر الإنسان بشيء ما نسيه ، برغبة ما يستحي أن يعبر عنها ، أو بفكرة عظيمة يرفض الإنصياع إليها . أنا أذكره فقط وأدعوه إلى التفكير لا شيء أكثر من ذلك . ثم أني كنت موجودا أيضا حين يرتكب الإنسان أفعالا خيرة ، فالخير كما الشر تماما لا يمكنه التحقق دون الإهتمام بالتفاصيل الصغيرة التي تهملونها دوما . وإذ أني لا أفرق بين المفهومين فإن العديد من الإنجازات الخيرة في عالمكم يعود الفضل فيها لي ، لكني لا أطالبكم بالإعتراف بذلك . أنا متواضع يا سيدي أمام علمكم وقدرتكم وأزداد ذهولا وإعجابا عندما أرى قدرتكم على تزييف الحقائق ونسب كل ما تعتبرونه شرا إلى شخصي الكريم . الحقيقة لم أتصور أبدا أن مخلوقا من تراب يقدر على هذا كله...
س : ألا تدعوك عظمة الإنسان إلى الإعتراف أن رفضك السجود لآدم كان قرارا غير صائب ؟
ج : الحقيقة أنا لا يمكنني الحكم بمعيار الصواب والخطأ . عندما طلب إلينا الرب السجود لآدم وقعت في حيرة كبيرة إذ كانت أوامر الرب لي متناقضة : لا تسجد لغير الرب / اسجد لآدم . نحن معشر الملائكة غير مخيرين لذلك فإن الوضعية التي وجدت نفسي فيها كانت صعبة جدا . لم أسجد لآدم في نهاية الأمر لأن شيئا ما داخلي كان يمنعني من السجود إلى غير من خلقني لكن ذلك كان كافيا لإثارة غضب الرب ضدي...
س : هل هناك من بين البشر من أنصفك ؟
ج : أجل . فهم بعض الصوفيين ذلك منذ زمن بعيد . أما في الزمن المعاصر فإن أحدهم كتب فصلا في كتاب وسمه بـ"مأساة إبليس". أنا أشعر بالسعادة عندما أرى أن بعض البشر لديهم القدرة على تفهم موقفي إزاء السجود لآدم . أنا لا أحتقر البشر كما أني لا أعظمهم أكثر مما يستحقون .
س : لماذا دفعت آدم إلى الأكل من الشجرة ؟
ج : لقد كانت رغبة الأكل من شجرة معرفة الخير والشر كامنة في آدم قبل أن أقترب منه وأن أكلمه . كان لا يفكر إلا في ذلك وقد أرقته تلك الرغبة حتى صار لا يرغب في طعام أو شراب . قلت له : "لماذا لا تمد يدك وتقطف منها ؟" تجاهلني بادئ الأمر فاقترحت عليه أن يحدث زوجه بذلك علها تعينه في أمره ذاك . ولما حصل ذلك وشجعته حواء على الأكل من الشجرة ، قلت له : "هل أنت متحقق من أنك تريد تمييز الخير من الشر ؟" لم يستمع إلي وسارع إلى قطف الثمرة وراح يقضمها هو وزوجه ، أما البقية فيعرفها الجميع .
س : لكن العديدين يقولون أنك أوعزت إلى حواء وأنها هي من دفعت آدم إلى فعلته تلك ؟
ج : لقد رأيت بأم عيني حواء تخرج من ضلع آدم ، كما رأيت قبلها آدم يُخلق من طين . لم أكن لأكلم حواء لأنه في ذاك الزمن لم أكن لأعرف تحديدا إن كانت من نفس جنس آدم أم لا . حسب علمي لم يكلم الرب حواء بل كان كل خطابه متوجها إلى آدم ، لذلك فإني بدوري خاطبت آدم عندما علمت برغبته الخفية في قطف الثمرة . أما اليوم وقد تحققت أن حواء كائن كامل البشرية فإني أتكلم إلى الرجال والنساء على حد السواء .
س : ما هي مشاريعك المستقبلية ؟
ج : لا شيء تحديدا . سأكمل القيام بمهمتي على أكمل وجه بانتظار تعليمات أخرى . يشاع أن عالما جديدا سيرى النور في غضون بضعة ملايين سنة ولربما يكون لي دور ما في فتح بصيرة سكان ذلك العالم كما فتحت بصيرة أهل الأرض . أرجو ألا تحملوني أكثر مما أحتمل فأنا مجرد ملاك مغضوب عليه ... أما أنتم فقد ذقتم من الشجرة وصرتم كاملي المسؤلية فيما تقولون وتفعلون